فصل: الشاهد السابع والثلاثون بعد الخمسمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.محاصرة الإفرنج أهل صور لعكا والحروب عليها.

كانت صور كما قدمنا ضبطها المركيش من الإفرنج الواصل من وراء البحر وقام بها وكان كلما فتح صلاح الدين مدينة أو حصنا على الأمان لحق أهلها بصور فاجتمع بها عدد عظيم من الإفرنج وأموال جمة ولما فتح القدس لبس كثير من رهبانهم وقسيسيهم وزعمائهم السواد حزنا على البيت المقدس وارتحل بطرك من القدس وهم معه يستصرخون أهل الملة النصرانية من وراء البحر للأخذ بثأر القدس فخرجوا للجهاد من كل بلد حتى النساء اللواتي يجدن القوة على الحرب ومن لم يستطع الخروج استأجر مكانه وبذلوا الأموال لهم وجاء الإفرنج من كل مكان ونزلوا بصور ومدد الرجال والأقوات والأسلحة متداركة لهم في كل وقت واتفقوا على الرحيل إلى عكا ومحاصرتها فخرجوا ثامن رجب من سنة خمس وثمانين وسلكوا على الطريق الساحل وأساطيلهم تحاذيهم في البحر ومسلحة المسلمين تتخطفهم من جوانبهم حتى وصلوا إلى عكا منتصف رجب وكان رأي صلاح الدين أن يحاذيهم في مسيرهم لينال منهم فخالفه أصحابه واعتذروا بضيق الطريق ووعره فسلك طريقا آخر ووافاهم على عكا وقد نزلوا عليها وأحاطوا بها من البحر فليس للمسلمين إليها طريق ونزل صلاح الدين قبالهم وبعث إلى الأطراف يستنفر الناس فجاءت عساكر الموصل وديار بكر وسنجار وسائر بلاد الجزيرة وجاء تقي الدين ابن أخيه من حماة ومظفر الدين كوكبري من حران والرها وكان أمداد المسلمين تصل في البر وإمداد الإفرنج في البحر وهم محصورون في صور محاصرين وكانت بينهم أيام مذكورة ووقائع مشهورة وأقام السلطان بقية رجب لم يقاتلهم فلما استهل شعبان قاتلهم يوما بكامله وبات الناس على تعبية ثم صبحهم بالقتال ونزل الصبر وحمل عليهم تقي الدين ابن أخيه منتصف النهار من الميمنة حملة أزالتهم عن مواقفهم وملك مكانهم واتصل بالبلد فدخلها المسلمون وشحنها صلاح الدين بالمدد من كل شيء وبعث إليهم الأمير حسام الدين أبا الهيجاء السمين من أكابر امرائه من الأكراد الخطية من أربل ثم نهض المسلمون من الغد فوجدوا الإفرنج قد أداروا عليهم خندقا يمتنعون به ومنعوهم القتال يومهم وأقاموا كذلك ومع السلطان أحياء من العرب فكمنوا في معاطف النهر من ناحية الإفرنج على الساحل للخطف منهم وكبسوهم منتصف شعبان وقتلوهم وجاؤا برؤسهم إلى صلاح الدين فأحسن إليهم والله تعالى أعلم.

.الواقعة على عكا.

كان صلاح الدين قد بعث عن عسكر مصر وبلغ الإفرنج فأرادوا معاجلته قبل وصولهم وكانت عساكره متفرقة في المسالح على الجهات فمسلحة تقابل انطاكية وسمند من أعمال حلب ومسلحة بحمص تحفظها من أهل طرابلس ومسلحة تقابل صور ومسلحة بدمياط والإسكندرية واعتزم الإفرنج على مهاجمتهم بالقتال ولم يشعروا بهم وصحبوهم لعشرين من شعبان وركب صلاح الدين وعبي عساكره وقصدوا الميمنة وعليها تقي الدين ابن أخيه فتزحزح بعض الشيء وأمده صلاح الدين بالرجال من عنده فحطوا على صلاح الدين في القلب فتضعضع واستشهد جماعة منهم الأمير علي بن مردان والظهير أخو الفقيه عيسى والي القدس والحاجب خليل الهكاري وغيرهم وقصدوا خيمة صلاح الدين فقتلوا من وزرائه ونهبوا واستشهد جمال الدين بن رواحة من العلماء ووضعوا السيف في المسلمين وانهزم الذين كانوا حوالي الخيمة ولم تسقط وانقطع الذين ولوها من الإفرنج عن أصحابهم وراءهم وحملت ميسرة المسلمين عليهم فاحجمتهم وراء الخنادق وعادوا إلى خيمة صلاح الدين فقتلوا كل من وجدوا عندها من الإفرنج وصلاح الدين قد عاد من إتباع أصحابه يردهم للقتال وقد اجتمعوا عليهم فلم يفلت منهم أحد وأسروا مقدم الفداوية فأمر بقتله وكان أطلقه مرة أخرى وبلغت عدة القتلى عشرة آلاف فألقوا في النهر وأما المنهزمون من المسلمين فمنهم من رجع من طبرية ومنهم من جاوز الأردن ورجع ومنهم من بلغ دمشق واتصل قتال المسلمين للإفرنج وكادوا يلجون عليهم معسكرهم ثم جاءهم الصريخ بنهب أموالهم وكان المنهزمون قد حملوا أثقالهم فامتدت إليها الأوباش ونهبوها فكان ذلك مما شغل المسلمين عن استئصال الإفرنج وأقاموا في ذلك يوما وليلة يستردون النهب من أيدي المسلمين ونفس بذلك عن الإفرنج بعض الشيء والله تعالى أعلم.

.رحيل صلاح الدين عن الإفرنج بعكا.

ولما انقضت هذه الواقعة وامتلأت الأرض من جيف الإفرنج تغير الهواء وأنتن وحدث بصلاح الدين قولنج كان يعاوده فأشار عليه أصحابه بالإنتقال عسى الإفرنج ينتقلون وإن أقاموا عدنا إليهم وحمله الأطباء على ذلك فرحل رابع رمضان من السنة وتقدم إلى أهل عكا بحياطتها وأعلمهم سبب رحيله فلما إرتحل الإفرنج في حصار عكا وأحاطوا بها دائرة مع اسطولهم في البحر وحفروا خندقا على معسكرهم وأداروا عليهم سورا من ترابه حصنا من صلاح الدين أن يعود إليهم ومسلحة المسلمين قبالتهم يناوشوهم القتال فلا يقاتلونهم وبلغ ذلك صلاح الدين وأشار أصحابه بإرسال العساكر ليمنع من التحصين فامتنع من ذلك لمرضه فتم للإفرنج ما أرادوه وأهل عكا يخرجون إليهم في كل يوم ويقاتلونهم والله تعالى أعلم.